“استنارة كافيه” مقهى سوداني يديره بالكامل أشخاص من ذوي الإعاقة السمعية

على ضفاف مقرن النيلين بالعاصمة الخرطوم يوجد “استنارة كافيه”، وهو مقهى نشأ خلال وقت قريب، ويديره بالكامل أشخاص من ذوي الإعاقة السمعية،

في تجربة جديدة وغير مسبوقة حظيت بتفاعل واسع في المشهد السوداني، كونه يمثل شمعة في واقع مظلم تعيشه هذه الشريحة الاجتماعية الهامة.

يمتاز المقهى بهدوئه الشديد فلا صوت يعلو هناك، فلغة الإشارة هي المتحكم في نشاط الكافيه الشي الذي جعله جاذباً لمحبي السكون، فشكل منتدى جامع ومحطة تلاقٍ مهمة لقاطني مقرن النيلين سواء الأشخاص العاديون أو “أصحاب الهمم”.

وعند مدخل الكافيه شباب في مقتبل العمر من ذوي الإعاقة السمعية “الصم” يستقبلون الزبائن بابتسامة عريضة، قبل أن يعرضوا عليهم الخدمات التي يقدمها المقهى من مشروبات ساخنة وباردة ومعجنات، وبعض الأطعمة السودانية.

الأول من نوعه

تم تأسيس الكافيه بفكرة من مركز الخاتم عدلان للاستنارة، وبتمويل من السفارة الفرنسية، وتم افتتاحه خلال حفل كبير مطلع يناير الماضي، وإطلاقه كأول تجربة من نوعها في السودان بأن يكون هناك مقهى يتم ادارته وتشغيله بالكامل من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية.

شكل ستنارة كافيه تجربة رائدة في السودان
 اجتياز المهمة

وتعرب مها علي سليمان وهي من ذوي الإعاقة السمعية، خلال حديثها لموقع اسكاي نيوز عربية، عن سعادتها بالعمل ضمن مشروع استنارة كافيه الذي شكل نقلة مهمة في حياتها العملية وهي المرة الأول التي تخرج فيها وتعمل في مهنة كهذه.

تقول مها وهي طالبة في جامعة السودان كلية الفنون الجميلة – قسم تصميم الأزياء المستوى الثالث، “من خلال التجربة في الكافيه تعلمنا كيف نتعامل مع الناس ومع بعضنا البعض حتى ينجح العمل، أيضاً علمونا نحن كأشخاص ضعيفي السمع الا نخجل من الآخرين ونتعامل معهم بشكل عادي”.

  وتضيف “أنا مبسوطة جداً لأن الناس أبت فكرة المشروع ووجدنا اقبال كبير. كنا نتوقع ان يكون الموضوع صعباً باعتبار نحن صم، ولكن الحمد لله الناس صارت تتعامل معنا بشكل عادي ووجدنا الأمر أسهل بكثير مما توقعنا”.

وتابعت “يقدم استنارة كافيه خدمات لأصحاب الهمم والأشخاص العاديون، حلويات وشوربات وسلطات وعصائر مختلفة ومشروبات ساخنة وباردة، وسوف نتقدم أكثر عقب عيد الفطر المبارك”.

كسر الحاجز

من جهته، يعرب العبيد علي البلولة – من ذوي الإعاقة السمعية عن سعادتك لكونه استطاع مشاركة الصم في هذه التجربة وتمكنه من كسر حاجز التوجس والتعامل مع الزبائن بصورة طبيعية وتقديم الخدمات المتوفرة بالمقهى لهم بكل يسر.

يقول البلولة لموقع “سكاي نيوز عربية”، بلغة الإشارة “تعلمنا كيف نتعامل مع الزبائن، وقد قمنا بتوزيع المهام في الكافيه، فبعضنا مسؤولا عن المشروبات الساخنة والباردة، وآخرين من المعجنات والشاورما والفول والبعض مهمته الحسابات، وهكذا يمضي عملنا بسلاسة”.


اجتذب المقهى فئات مختلفة من الشعب السوداني
 محاولة لرفع التهميش

يقول مدير مشروع “استنارة كافيه” خلف الله العفيف لموقع سكاي نيوز عربية، إن الفكرة جاءت كمحاولة لرفع التهميش المتطاول الذي يعيشه الأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف فئاتهم سمعية، بصرية، حركية، فعلى مر التأريخ لم يجدوا من يهتم بهم وينظمهم ويعطيهم حقوقهم.

ويضيف “لاحظنا تواجد الصم في المواكب الاحتجاجية قبل أربع سنوات وهم ممسكون ببعضهم ويسيرون في المظاهرات، ففكرنا في التواصل معهم، وعرفنا أنهم يشاركون في الهم العام، وفي نفس الوقت لديهم مواهب في الجامعات وغيرها”.

يقع المقهى في مقرن النيلين

وتابع “بالفعل تم الاتصال بهم واستقطابهم وتم تدريبهم في كبار الفنادق، وقامت السفارة الفرنسية بتمويل المشروع، وهو تجربة يشارك فيها حتى الآن 7 من ذوي الإعاقة السمعية، 5 أولاد وبنتان ومن المتوقع ان ينضم لهم اثنين آخرين عقب عيد الفطر حيث نخطط لعمل افتتاح جماهيري كبير”.

فنانون أيضا

بحسب العفيف، فإن الكافيه مخصص لشريحة الأشخاص من ذوي الإعاقة، فجميع الذين يديرونه من المدير وحتى عمال النظافة هم من هذه الفئة، و”هدفنا من ذلك أن يقدموا خلاصة تجاربهم في عمل يكون مفيدا للناس”.

وللمصادفة، فإن جميع العاملين بالمقهى إما خريجين أو ما زالوا طلاب في كلية الفنون الجميلة، فهم جميلون وظرفاء أحبهم الزبائن”.

وقال “في المرحلة العملية أثبت هؤلاء الشباب جدارتهم في الطهي والإدارة، فقد قاموا بتلبية احتياجات ورش عمل بمركز الخاتم عدلان من أكل وشرب على أكمل وجه وبجودة متناهية .. انها تجربة رائعة حقنا ونعمل على توسعتها لتشمل كل انحاء العاصمة والولايات أيضاً”.

ثقافة ودمج اجتماعي

ويرى صلاح منهل، أحد رواد مقهى الصم بالخرطوم، انه لم يستطيع الغياب عن استنارة كافيه منذ افتتاحه لما يحمله من ميزات فضلا عن لطف وروعة مشغليه والذين يملكون قدرات عالية في صناعة الفرحة والبهجة في نفوس الزبائن.

 ويرى منهل في حديثه لموقع اسكاي نيوز عربية، ان مشروع استنارة كافية يمثل فرصة كبيرة لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع، فضلا عن أنه يحي ثقافة لغة الإشارة، ويشجع الجميع على تعلمها مما يسهل التواصل مع هذه الشريحة المجتمعية الهامة.

زر الذهاب إلى الأعلى