استثمارات الأجهزة النظامية.. الأسئلة المفخخة

عاد للسطح مجدداً الجدل حول استثمارات القوات النظامية، حيث ابرزت تسريبات للوثيقة النهائية لحكم الفترة الانتقالية المرتقب توقيعه ابريل المقبل، ان احد بنوده خروج القوات المسلحة من الساحة الاقتصادية مع مراجعة ملكية الشركات المملوكة للاجهزة الامنية، وكانت الحكومة المدنية السابقة برئاسة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله حمدوك قد توصلت آنذاك الى ان تخضع هذه القضية للنقاش.
ويرى مراقبون ان ايلولة شركات الجيش للمالية ستصاحبها اخطاء وفشل اداري، معللين ذلك بتوقفها عن العمل عقب تسليمها من لجنة ازالة التمكين للمالية، فيما ذهب خبراء الى ان هذه الشركات انشئت بنظام الاستقطاعات من الضباط وافراد القوات المسلحة وان تفكيكها يعد اضعافاً للجيش.
(1)
ويقول الخبير الاستراتيجي الامين اسماعيل في معرض تعليقه على الطرح: (ان استثمارات الاجهزة الامنية تم النقاش حولها مبكراً على ايام حكومتي حمدوك الاولى والثانية، حيث قام رئيس الوزراء السابق بزيارة هيئة الصناعات الدفاعية، وتم الاتفاق آنذاك على ايلولة بعض المؤسسات الاقتصادية للبورصة كشركات مساهمة عامة خاصة العاملة في الجانب التجاري، على ان يتم اعتماد الشركات ذات الصبغة العسكرية داخل التصنيع الحربي باعتبارها متخصصة في مجال التصنيع العسكري)، واضاف محدثي قائلاً: (خلال العهد السابق تم توسيع الاستثمار للجيش والاجهزة النظامية الاخرى، وهو ما قاد لبروز كيانات وشركات كبيرة تتم مراجعتها الآن بموافقة القوات المسلحة).
ويذهب في ذات الاتجاه الخبير الاقتصادي د. محمد الناير الى ان المؤسسة العسكرية تمتلك الحق في انشاء شركات، مشيراً لعدم وجود قانون يمنع استثمار القوات المسلحة، خاصة ان الكثير من جيوش العالم لديها استثمارات، واضاف الناير خلال حديثه لــ (الانتباهة) قائلاً: (بالنظر للواقع في السودان نجد ان الموازنة العامة للدولة لا تستطيع ان تمول الاجراءات الامنية بالكامل
للمحافظة على السيادة)، مشيراً الى ان الخزانة العامة تدفع المرتبات من بعض الاموال الخاصة بتسيير الخدمات، غير انها تعجز عن توفير جميع الاحتياجات الامنية، مع العلم بأن الاجراءات الامنية تمثل بسيادة البلاد والمحافظة والدفاع عن السودان بصورة اساسية، الامر الذي يتطلب تزويدها بالعدة والعتاد، وتابع الناير قائلاً: (لا يوجد خلاف حول التصنيع ذي الطبيعة العسكرية والاستراتيجية، ولكن الاشكال حول المؤسسات الاخرى، وبالامكان تحويل هذه المؤسسات لشركات مساهمة عامة).
(2)
ولا يرحب الخبير والمحلل الاقتصادي محمد الناير بايلولة شركات الجيش للمالية، وذلك من واقع تجارب سابقة يرى انها لم تحقق النجاح، خاصة تلك التي تسلمتها لجنة ازالة التمكين وتوقفت تلك الشركات عن العمل تماماً، وعند تمت احالتها للمالية لم تستطع ــ في ظل تعقيدات المشهد الاقتصادي ــ ان تدير أية شركة في الوضع الراهن.
ويرى الناير انه من الافضل التوافق على تحويل بعض المؤسسات الاقتصادية لشركات مساهمة عامة، ويمكن للقوات النظامية ان تمتلك نسبة من هذه الشركات بمشاركة القطاع الخاص، ويتم التعامل معها كما يتم مع الشركات في النشاط التجاري بصورة اساسية، ولفت محدثي الى ان مؤسسات الجيش الاقتصادية تم انشاؤها عبر استقطاعات من المعاشيين مما يحتم عودة عائدها لهذه الشريحة، واردف قائلاً: (هناك خلط بين المؤسسات التي تتبع للمؤسسة العسكرية والشركات التي تتبع لصندوق المعاشيين، حيث ان التي تتبع للمعاشيين ليست للدولة صلاحية عليها، وصحيح انها تتبع لرقابة الجهات الرسمية في البلاد ولكن عوائدها ترجع للمعاشيين لتحسين اوضاعهم).
وقطع محدثي بعدم قدرة الدولة بموازنتها العامة على الانفاق على المؤسسات العسكرية، الامر الذي قد يقود لاضعافها حال لم تكن تمتلك مصادر متنوعة بخلاف الموازنة العامة للدولة، خاصة ان السودان دولة بحجم قارة ومستهدفة ولديها مساحة طولها (750) كلم على البحر الاحمر بجانب حدود مع دول الجوار تفوق الفي كلم، الامر الذي يجعل من الصعوبة بمكان ان تعتمد الاجهزة الامنية والمؤسسات العسكرية في حماية البلاد على ما يدفع لها من موازنة الدولة فقط.
(3)
وبدوره يرى الخبير الامني الفاتح عثمان محجوب ان المطالبة بخروج القوات المسلحة السودانية من الاستثمارات المدنية ليست جديدة، فمنذ اندلاع الثورة التي أطاحت الرئيس السابق البشير ظهرت تلك الدعوات عبر عدد من الناشطين السياسيين.
غير أن محجوب عاب خلال افادته لـ (الانتباهة) على المدنيين قلة خبرتهم في ادارة تلك الاستثمارات، واستشهد محدثي بأن الجيش بالذات طرق مجالات استثمارية اهملها المدنيون، اما لضعف قدراتهم الرأسمالية او لضعف قدراتهم على ادارة هذا النوع من الاستثمارات او خوفاً من المخاطرة، فقامت القوات المسلحة بانشاء (شركة زادنا) التي عملت على نقل افضل التقانات الحديثة في مجال البذور المحسنة والشتول، وركزت شركة الاتجاهات المتعددة على صناعة اللحوم وفتحت للسودان باباً واسعاً في مجال لحوم العجول وهو مجال لم يكن مطروقاً في السابق، وادخلت (شركة جياد) صناعة السيارات والجرارات والشاحنات وقطع الغيار للمصانع وتمتد الأمثلة.
ويرى محجوب أن المطلوب التوصل لصيغة لتحويل مؤسسات الجيش الاقتصادية لشركات مساهمة عامة يتنازل فيها الجيش تدريجياً عن كل الأسهم.

زر الذهاب إلى الأعلى